يعد عامنا الحالي عاما حاسما بالنسبة للسودان، أكبر دولة في القارة الأفريقية. ففي هذا الأسبوع، وفي مدينة "أوسلو" عاصمة النرويج، تعهدت الدول المانحة بدفع 4,5 مليار دولار أميركي كمساعدات للسودان. وعلى الرغم من أنه يتوجب علىّ الثناء على سخاء المانحين، إلا أنني أذكّر في نفس الوقت، بأن الوعود وحدها لا تكفي.
الوقت يمر سريعا بالنسبة لشعب السودان. وما نريده هو أن يتم تحويل الوعود إلى نقود، وإلى توفير المزيد من قوات الحماية في إقليم دارفور، من أجل تجنب وقوع المزيد من الضحايا والمعاناة. وإذا ما فشلنا في السودان، فإن تداعيات هذا الفشل ستظل تؤرقنا لسنوات طويلة في المستقبل.
فبعد مصرع ما يزيد على مليوني إنسان، وتشريد أربعة ملايين آخرين، واستمرار الحرب لمدة 21 عاماً، أصبح جنوب السودان أخيرا على أعتاب السلام.
بيد أننا يجب أن نلفت النظر هنا إلى أن ذلك السلام هو سلام متقلب وهش في الوقت نفسه. فالعنف والمرض والتشريد لا تزال تمثل مفردات الواقع اليومي في هذه المنطقة، التي تعاني من الفاقة وشظف العيش، حيث يموت طفل واحد من بين كل أربعة أطفال قبل أن يبلغ العام الخامس من عمره، وحيث يعاني نصف العدد الإجمالي من الأطفال من سوء التغذية وتلتحق كل خمس بنات فقط من بين مئة فتاة بالمدارس الابتدائية.
إن السلام لن يتعزز بسهولة في مثل تلك البيئة، كما أنه لن يتحقق بثمن بخس. ففي الحقيقة أن نصف البلاد التي تخرج من جحيم الحروب الأهلية، سرعان ما ترتد مرة أخرى إلى أعمال العنف خلال خمس سنوات من انتهاء تلك الحروب. إن الدعم الدولي مطلوب بصورة عاجلة، لمساعدة السودان على الخروج من هذه الفترة المتقلقلة من فترات الانتقال من الحرب إلى السلام.
إن الحاجات عديدة وفورية. فهناك ما يربو على ثلاثة ملايين من المدنيين الذين اضطروا للنزوح عن ديارهم بسبب أعمال العنف، أصبحوا الآن قادرين على العودة الآن إلى جنوب السودان، لإعادة بناء حياتهم المدمرة من جديد. ومن بين الملايين الثلاثة هناك مليونان بحاجة إلى مساعدات غذائية. فإذا لم يحصل الأطفال على التغذية الكافية، وإذا لم تتم إعادة إدماج المحاربين السابقين، أو إعادة تدريبهم، للقيام بالأعمال المدنية فإن السلام سرعان ما سينهار.
إن مليارات الدولارات التي تعهدت بها الدول المانحة هذا الأسبوع يمكن أن تفيد.. ولكن يجب علينا أن نعرف أن الجائعين لا يستطيعون أن يتغذوا على الوعود. لقد تعلمنا من خلال التجارب الطويلة والمريرة، التي مررنا بها، أن وعود الدول المانحة غالبا ما تبقى دون تنفيذ.
ففي كمبوديا، ورواندا، وليبيريا، وغير ذلك من أماكن، رأينا كيف أن نسبة كبيرة من الأموال التي وعدت الدول المانحة بتقديمها، لم يتم تقديمها في الواقع، وهو ما أدى إلى وقوع المزيد من الخسائر البشرية في الأرواح.
على سبيل المثال، في عام 1992، تعهدت الدول المانحة بتقديم 880 مليون دولار، لإعادة تأهيل كمبوديا بعد سنوات الحرب. وبعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات لم تقم الدول المانحة سوى بتقديم 460 مليار دولار فقط. وبعد مرور عام تقريبا على تعهد بعض الدول بتقديم مليار دولار لإصلاح الدمار الذي نتج عن الزلزال الذي وقع في مدينة "بام" بإيران، لم يكن قد تم تسليم سوى 20 في المئة فقط من هذا المبلغ.
إن هناك الكثير من الأسباب التي يجب أن تجعل أداءنا في السودان أفضل مما كان عليه في السابق في مناطق أخرى. إنني أناشد الدول المانحة أن تقوم بتحويل وعودها إلى نقود في أسرع وقت ممكن. كما أنني أناشد مجتمع الشعوب أن يحاسب هذه الدول على وعودها. دعنا نحافظ على الوعود التي نقطعها على أنفسنا هذه المرة، ولا ندير ظهورنا، ونتعامى عن معاناة جيل كامل من السودانيين، الذين نجحوا في تحقيق هذا السلام، والذين يحتاجون إليه بصورة ماسة.
في دارفور انقطعت المواد الغذائية التي كانت تقدم إلى معسكرات اللاجئين بالفعل، وعما قليل سيبدأ موسم الأمطار في السودان، جاعلا من مسألة تقديم هذه المعونات أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وفي بحر أسابيع قليلة سينفد الطعام اللازم لتغذية مليوني إنسان كذلك.
ليس هناك من يعرف على وجه التحديد، عدد من ماتوا في دارفور منذ أن اندلعت نيران هذا الصراع، ولكن بعض المحليين يقدرون هذا العدد بـ(300 ألف إنسان) وإذا ما تدهور الموقف أكثر مما هو عليه بالفعل فإن عددا يصل إلى أربعة ملايين شخص- أي ثلثا عدد سكان دارفور- قد يصبحون بحاجة إلى مساعدات غذائية بنهاية هذا الصيف.
وليست المساعدات الغذائية هي كل ما نريده في دارفور، وإنما نريد أيضا أن تتم محاسبة المسؤولين عن ارتكاب أعمال العنف في الإقليم وإخضاعهم للمساءلة. ولجنة التحقيق الدولية التي قمت بتعيينها بناء على طلب من مجلس الأمن الدولي، قامت وبدرجة كافية، بتوثيق أعمال القتل والاغتصاب الجماعي، والخطف والفظائع التي ارتكبت في دارفور، وهو ما فعلته أيضا العديد من اللجان والمنظمات والهيئات الأخرى. إننا نعرف ماذا يحدث في دارفور.. ولكن السؤال الذي لم يقدم